وا أسفاه على مصر والجزائر
!
فجأة عُبئ أقوام بوطنية زائفة، وأُشربوا قضية "مصيرية": من يكسب المباراة للتأهل لكأس العالم، مصر أم الجزائر؟ ألا ما أتفه الشعوب المستعبدة؟ وما أحط وأحقر معاركها الوهمية ! وما أرخص دماءها التي تراق إعلاء لراية عمية هي من بقايا الجاهلية المقيتة.
أقوام يعيشون بلا قضية ولا هم، وحكام يسوقونهم إلى مهاوي السقوط الأخلاقي، ويقنعونهم أنه حتى بين المقموعين والمضطهدين، يوجد منتصرون وخاسرون، أو هكذا أًريد لهم..
إجراءات "صارمة" وتدابير استثنائية في الجزائر ومصر لا تُتخذ إلا في حالات طوارئ حرب، من أجل من وماذا؟
جماهير بلا قيادة مؤثرة موجهة بصيرة وبلا قضية ولا هدف، تائهة، يعبث بعقولها وقلوبها صناع الخراب والفساد ومهندسو التوريث والحكم العائلي..
صُدمت كما صُدم غيري، على ماذا نتشاحن ونتباغض ونثير الأحقاد ونمعن في تحطيم الماضي والحاضر والمستقبل.. كل منا يتربص بالآخر ويعمل على الإطاحة به، بل وإهانته وإذلاله، لنصنع أمجادا تافهة على أشلاء المضطهدين..
نهتف لمن ولماذا؟ أظن أن شعوبنا منفية داخل أوطانها، وظيفتها الهتاف والصراخ العبثي، وهو آخر ما تبقى لها من "حق إنساني"، والنفي واحد من المصائر الأكثر حزنا وأسى، والنفي هنا يعني الإبعاد القسري من قضاياها..
جماهير تموج وتتمايل على إيقاع رغبات وأهواء حكامها، فشلوا في إدارة الأزمات على جبهاتهم الداخلية الملتهبة، فنقلوا المعارك إلى الملاعب، علهم يظفرون بهدنة داخلية.. يحجرون على شعوبهم في أوطانهم، ويسجنوهم في مربعات مغلقة، ثم يشعلون لهم حروبا "دونكشوتيه"، ليمكنوهم من التنفيس بها عن مشاعر الإحباط والكبت النفسي التي تطاردهم في كل مراحل حياتهم، وفي لحظة خاطفة، يتحول مركب النقص إلى عقدة تفوق..
وهكذا تهب الجماهير المصرية والجزائرية وتزحف نحو السودان، ليتم التلاعب بمشاعرها وخداعها، وينسب لها الدور الأسطوري الذي ألصقه أشد متعصبي الجنس السلافي بالسلاف، فهم "حرروا" البلقان من هيمنة العبوديين، وأنقذوا بيزنطة من الانحطاط بمنحها قادة ذوي عزيمة وجنودا لا يهزمون..
والجماهير مدعوة لتعبر عن "إرادتها الحرة" في الملاعب والطرقات، و"تدافع" عن سيادتها المنتهكة، في مشهد مثير للحسرة والأسى؟؟!..
أي اعتبار يبقى للوطنية والسيادة والجماهير حين يُتلاعب بها وكأنها دمى لا حياة فيها؟ لم يبق ثمة شيء في بلداننا لم يُخضعه الحاكم لأهوائه
0 comments:
Post a Comment